في العيد كانت البساطة عنوان الفرح ..!!!
في زحمة هذا العصر الذي غمرنا برفاهية لا حصر لها، وفي ظل النعم المتدفقة التي نعيشها اليوم، تعود بي الذاكرة كلما حلّ عيد الأضحى، إلى تلك الأيام الخالدة التي عشناها في الطفولة، أيام لا تغيب عن الذاكرة مهما تبدلت الحياة.
كنا ننتظر العيد بلهفة لا توصف، ليس لأننا نملك الكثير، بل لأننا نعرف كيف نفرح بالقليل.
كنت أرتدي في عيد الأضحى نفس ثوب عيد الفطر، ونفس الحذاء، وتلك القبعة الصغيرة التي خيطت على مقاسي ذات عام، مع شماغٍ احتفظت به أمي، رحمها الله، في صندوق خشبي صغير، تحافظ عليه كما تحافظ على توازن البيت الاقتصادي، كي لا تثقل كاهل أبي، رحمه الله، الذي كان يبذل جهده كله ليزرع البسمة على وجوهنا دون أن ينطق بشكوى.
كنا نعيش ببساطة، نقتسم الفرحة كما نقتسم رغيف الخبز، ونتسابق نحو الحجيج القادمين من مكة، ننتظر هداياهم، تلك الملابس البيضاء والملونة، كلٌ حسب نصيبه، لا نعيب المقاسات، ولا نهتم إن كانت طويلة أو قصيرة، فقد كانت فرحة ارتداء الجديد تغمر قلوبنا ببهجة لا تشبهها بهجة.
يا لها من أيام… كانت ضيق اليد فيها سببًا لاتساع القلوب، وكانت البساطة تعني عمقًا لا يعرفه الجيل الجديد، جيل اليوم الذي يعيش في وفرة النعم، وسط هواتف ذكية، وألعاب إلكترونية، وخزائن ممتلئة بما لذّ وطاب، لكنه قد يفتقد ذلك الدفء الذي كنا نعيشه في قلوبنا.
الفرق بين الأمس واليوم ليس في اللباس، ولا في المأكل والمشرب، بل في نظرتنا لما نملك. كنّا نعرف قيمة الأشياء، ننتظرها بشغف، نفرح بها وكأننا نملك الدنيا، أما اليوم، فكل شيء متاح، لكنه يفتقد شيئًا من الروح، من العفوية، من الحنين.
إنها مفارقة الزمن… حين كان العيد ثوبًا واحدًا، وحذاءً وحيدًا، لكن بفرحة تملأ القرية، مقارنة بطفل اليوم الذي يلبس ثلاثة أثواب ولا يجد في أحدها متعة تذكر.
رحم الله آباءنا وأمهاتنا الذين صنعوا من القليل حياة، ومن الفقر كرامة، ومن الحرمان درسًا في القناعة، وأدام الله علينا وعليكم نعم هذا العصر، ووفقنا لشكرها بحق، لنورّث أبناءنا لا مجرد أشياء… بل قيماً.
فما أجمل ذلك “الزمن القاسي”… الذي جعلنا نكبر وفي قلوبنا حنين لا يموت ..